رضا حمد الله
توفي زوجها بسبب مرضه المزمن. وترك أبناءهما صغارا في رعايتها. تعبت كثيرا لأجل أن يعيشوا. عملت منظفة بمقهى وبائعة للخبز قبل أن تجد عملا في معمل للنسيج. منذئذ استقرت ظروفها وتحسنت تدريجيا. لها راتب شهري متوسط يعينها على تدبر حاجيات ابنيها وابنتها. وتستغل كل نهاية أسبوع لمساعدة نساء من معارفها، على تنظيف شققهن ومساعدتهن في المطبخ والغسيل.
ظلت وفية لزوجها المرحوم، ولم تفكر أبدا في الزواج. ومر عقدان وهي على هذا الحال، وكبر الأبناء. ربتهم أحسن تربية. تفوقوا في دراستهم ونالوا شواهد فتحت في وجوههم آفاق العمل. أكبرهم نال الإجازة في كلية الحقوق ويشتغل محاميا. وابنتها ولجت سلك التعليم مدرسة للرياضيات في ثانوية بمدينة مجاورة. تزوجت زميلا لها ولم تتقاعس عن الإنفاق على أمها وأخيها الأصغر. خصصت لهما جزءا من راتبها.
وحده ابنها الأصغر ظل عاطلا. رغم تخرجه من كلية الآداب ونيله الإجازة في الجغرافيا، فإنه لم يهتدي لجغرافية مسالك الوصول لعمل يصون كرامته عوض أن يبقى عالة على أمه. عمل مساعدا لتاجر بالمدينة العتيقة حيث يقطنان في منزل موروث. لكنه كان عاجزا عن تحمل تعب العمل وشقائه، ولم يخبر في ديبلوماسية التجارة، لم يكن يحسن التفاوض والتعامل مع الزبناء، ليطرده المشغل.
جرب كل حيل العيش والبحث عن مدخول، فلم يفلح في كل المهن. حظه العثر أزم نفسيته. أصبح انطوائيا على غير عادته. لا يغادر المنزل إلا في توقيت تقل فيه الحركة بدروب المدينة القديمة، حتى لا يصادف أحدا فيحدثه أو يسأله. أخته وأخوه لم يبخلا عليه بالمال رغم التزاماتهما الأسرية. بما يمنحانه كان يتدبر حاجياته من السجائر المبتلي بتدخينها منذ لفظته الجامعة لتتلقفه البطالة. وضع يتقبله على مضض، فهو لا يمكن أن يبقى عالة عليهما.
كان يعيش روتينا يوميا زاد من أزمته النفسية، فارتمى في حضن لفافات المخدرات وبحث فيها وفي قنينات النبيذ، عن مهدئ لأعصابه ينسيه عما هو فيه. وبإدمانه تغيرت حياته، وتخلص من انطوائيته ليقبل على حياة فقد فيها بوصلة الاتزان والتعقل. أصبح يغادر المنزل ويترك والدته وحيدة، ولا يعود إلا صباحا في حالة يرثى لها بالكاد يتحرك من شدة السكر. حالته لم تعد ترضي والدته. وأخبرت شقيقته وشقيقه بها، أملا في تدخلهما لإعادته للطريق الصحيح.
فاتحاه في زيغانه عن سكة الصواب، لكنه لم يولي نصائحهما اهتماما. استمره في ضلاله، غير مكترث وزادت مشاكله مع والدته. عدم احترامها لها دفع شقيقه لحرمانه من المصروف عقابا. فعل ذلك وسايرته أختهما. لم يدريا أنهما بذلك يحكمان عليه بما لم يتوقعاه. ظنا أنه سيتوب ويعتذر ويعود لما عرف عليه من احترام لوالدته وحسن معاملتها. كل شيء سينقلب رأسا على عقب في حياته وعلاقته بهما ووالدته